ما كلُّ من حملَ السلاحَ كانَ به مجاهدًا، ولا كلُّ من تأبَّطَ البندقيةَ نُسبَ إلى الجهاد، فالسلاحُ كاللسان، تارةً ينطقُ بالحق، وتارةً يُستخدمُ في تزويره. هنالك بنادقُ تُولدُ في رحمِ الحرية، وهنالك بنادقُ تُصاغُ في أفرانِ الاحتلال، لتُطلقَ رصاصها على الجدرانِ التي تحمي الكرامة، لا على من يخرقُها.
فالسلاحُ الذي يُرادُ له البقاءُ في يدِ السلطةِ ليس لردِّ عدوانٍ، ولا لاستعادةِ وطن، بل لتأمينِ أمنِ إسرائيلَ من الداخل، لا لتحريرِ فلسطين. هو السلاحُ الذي لا يُغضبُ الجنديَّ الصهيونيَّ على الحاجز، ولا يُقلقُ المستوطنَ في حراسةِ ليله، بل يُقلقُ الفتى الفلسطينيَّ الذي خرجَ يهتفُ ضدَّ الظلم، ويُطاردُ الأرملةَ التي رفضتْ نزعَ علمِ الشهداء عن شرفةِ بيتِها. ذاك سلاحٌ إذا استُفتيَ، قال :
نُطيعُ أوسلو، وإذا نُوديَ للجهادِ تذرّعَ بالسياسة، وإذا اقتربتِ البنادقُ الشريفةُ من تخومِ المعركةِ استنفرَ ليصدّها، ويمنعَ نارها أن تطالَ من يستحقُّ الحريق. لا يعرفُ طريقَ المستوطنات، لكنَّه يحفظُ أسماءَ المقاومين، ويسردُها في تقاريرِ التنسيقِ الأمنيِّ كأنّه يتلو آياتِ الولاءِ.
وكم عُبّدَت الطرقُ إلى الخيانة برايات السيادة، وكم رُفِعت شعاراتُ القرار الوطني المستقل؛ لتُجهَض بها كلُّ إرادةٍ حرة، حتى صار المقاومُ يُرَى مهددًا، والمحاصرُ يُطالَب بالصمت، وغزةُ تُبتزُّ بلقمة الخبز كي تتخلى عن البندقية لكنّ الفقهَ الراشدَ لا يُخدعُ بالرايات، ولا يُؤخَذُ بالألفاظ، إنّما يزنُ الرجالَ بمواضعِ وقوفِهم، ويعرفُ السلاحَ من جهةِ فوهتِه :
أهو إلى العدوّ أم إلى الرفيق؟ أهو يُقلقُ تل أبيب، أم يُطمئنُها ؟ أهو يحرسُ القضيةَ، أم يحرسُ الاتفاقية؟ المقاومةُ وحدها حملتْ سلاحًا يعرفُ عدوَّه، لا تغيّرُ بندقيتُها وجهتَها مع تغيّرِ المفاوض، ولا تدخلُ هدنةً تُنسَى فيها مبادئُ التحرير، ولا تُسقِطُ الرايةَ إذا اشتدَّ الحصار. هم يُريدون نزعَ هذا السلاح، لأنّه فضحَ خواءَهم، وكشفَ عريَهم، وأسقطَ ورقةَ التوتِ عن سلاحِهم الكاذب. وكل سلاحٌ لتأمينِ أمنِ إسرائيل، لا لتحريرِ فلسطين، هو سلاح كاذب، فمن قبِله فقد خان، ومن روّجَ له فقد نافق، ومن سكتَ عنه فقد رضي، ومن قاومهُ فقد صدق.