وإذ هي ناقلةٌ مدرّعةٌ تزأرُ حديدًا ونارًا، تئِنُّ في الخفاءِ وتغولُ في الأرضِ ببطشِها، إذا بمقاتلٍ من غزةَ، وما له من ظهرٍ سوى الله، ولا من مددٍ إلا يقينه، يهوي من علياءِ القلوبِ المملوءةِ بالحقّ، فيقذفُ في جوفِ الوحشِ عبوةَ الفداء، كأنّما ألقى في جوفِ الطغيانِ نُطفةَ فنائه، وانسلَّ كما ينسلُّ الضوءُ من بينِ قضبانِ الظلمةِ، ساخرًا من العيونِ الحرّاسيّةِ ومن آلاتِ الرصدِ والاستشعار، يعلو على قوانينِ القوةِ بقانونِ التوكل، ويقهرُ نظمَ الحربِ بصيغةِ من كُتِب لهم أن يكونوا الفاتحين.
ليس ما بثّته عدساتُ المجاهدين مشهدًا من مسرحِ الظلال، ولا هو استعراضٌ في نشرةٍ تُروّجُ لبطولةٍ عابرة؛ بل هو توقيعٌ على وثيقةِ الحياة، حيث تكتبُ غزةُ — بدمِ أبنائها — معنى الإرادة، وتُسطِّر على أجسادِ أعدائها آياتِ العدلِ المعلَّق منذ قرون.
تلك عبوةٌ لا تنفجرُ في الحديدِ وحده، بل في بواطنِ اليأس، في خلايا التراخي، في وجدانِ من سئموا الانتظارَ وأشاحوا عن أبوابِ الرجاء، كأنّ التاريخَ لا يعاودُ نفسه إلا على هيئةِ نكباتٍ وهزائم.
إنّا لنشهدُ المشهدَ في شرقِ خان يونس، ولسنا ببصرِنا نراه، بل بضميرِ الأمةِ إذا صحا. رجلٌ أعزل، يقاتلُ عدوًّا بأعتى ترساناتِ الموت، يقفُ وحده حيثُ تفرُّ الجيوش، ويقتحمُ حيث تُغلَق الأبواب، ويُفلِتُ من حصارِ الأقمارِ الصناعيةِ، وعيونِ الجواسيس، وخنادقِ الطائرات، كأنّه ظلُّ دعوةٍ صعدتْ من جوفِ مظلومٍ فأجابتْها السماء.
أيُّ شريعةٍ أرضيةٍ تفسّرُ هذا ؟ أيُّ منطقٍ ماديٍّ يُفكّكُ معادلةَ رجلٍ مقابلَ ناقلةٍ ؟ عبوةٌ مقابلَ جيشٍ ؟ لا تُفسِّرُها إلا السماء، ولا يتقنُ حسابَها إلا أهلُ السماء.
فيا من سئِمتُم الدعوات، ومللتُم الكلمات، ونقمتم على الشيوخِ حين قصُرتْ كلماتُهم، وعلى المثقفين حين طالتْ خطاباتُهم، وعلى العلماءِ حين غابتْ عنهم البصائر؛ اعلموا أن غزةَ لم تنتظرْهم، ولم تتعلّقْ بموائدِهم، ولم تربطْ مصيرَها بصكوكِ رضاهم، بل نظرتْ إلى الله، وسارتْ إليه، ففتحَ لها من أبوابِ التمكينِ ما يُذهلُ العقول.
وما هذه البطولاتُ المُتتابعةُ إلا برهانٌ قائمٌ على أن القدرةَ ليست في الإمكانيات، بل في الإرادات، وأن سلاحَ المؤمنين ليس في المخازنِ بل في الصدور.
وها هو العدوُّ، بكلِّ ما أُوتي من عُدّةٍ وعَددٍ ودُعمٍ دوليٍّ وإعلامٍ عالميٍّ وجبهاتٍ مفتوحة، يئنُّ من عبوةٍ في ناقلة، ويرتعدُ من شبحِ مقاتلٍ في الزقاق، ويطلبُ الهدنةَ من طفلٍ لم يبلغِ الحلمَ بعد.
فيا أيها الشابُّ الضجِر، ويا من أظلمتْ في عينيك الرؤى، واشتدّ سوادُك على الدنيا، انظر إلى شرقِ خان يونس، فإنّ فيه مشهدًا ليس يُنسى. ليس هو رجعُ ماضٍ، بل إرهاصُ بعثٍ، وإشراقُ فجرٍ، ودعوةٌ لك بأن تنهض.
ما مات الأمل، لكنه خَرسَ في ضجيجِ الجُبناء. وما غابَ النور، بل غُطِّي بأثوابِ السخطِ واليأس.
فانزع عنك لباسَ الخيبة، وانهضْ كما نهضَ الفتى في غبشِ الفجرِ لا يخشاه إلا أن يُقصّر. لا تطلبْ براهينَ من التاريخِ وأنتَ ترى براهينَها تُبثُّ على الهواءِ مباشرة، وتُدوَّنُ في دمِ الأبطال. إنّ من لم يُقنعه هذا المشهدُ، فبمَ يُقنَع ؟! ومن لم يُبصرْ يدَ اللهِ في غزة، فقد عميتْ عيناه عن نورِ البصيرة.
واللهُ غالبٌ على أمره، ولكنّ أكثرَ الناسِ لا يعلمون.
تلك عبوةٌ لا تنفجرُ في الحديدِ وحده، بل في بواطنِ اليأس، في خلايا التراخي، في وجدانِ من سئموا الانتظارَ وأشاحوا عن أبوابِ الرجاء، كأنّ التاريخَ لا يعاودُ نفسه إلا على هيئةِ نكباتٍ وهزائم.
إنّا لنشهدُ المشهدَ في شرقِ خان يونس، ولسنا ببصرِنا نراه، بل بضميرِ الأمةِ إذا صحا. رجلٌ أعزل، يقاتلُ عدوًّا بأعتى ترساناتِ الموت، يقفُ وحده حيثُ تفرُّ الجيوش، ويقتحمُ حيث تُغلَق الأبواب، ويُفلِتُ من حصارِ الأقمارِ الصناعيةِ، وعيونِ الجواسيس، وخنادقِ الطائرات، كأنّه ظلُّ دعوةٍ صعدتْ من جوفِ مظلومٍ فأجابتْها السماء.
أيُّ شريعةٍ أرضيةٍ تفسّرُ هذا ؟ أيُّ منطقٍ ماديٍّ يُفكّكُ معادلةَ رجلٍ مقابلَ ناقلةٍ ؟ عبوةٌ مقابلَ جيشٍ ؟ لا تُفسِّرُها إلا السماء، ولا يتقنُ حسابَها إلا أهلُ السماء.
فيا من سئِمتُم الدعوات، ومللتُم الكلمات، ونقمتم على الشيوخِ حين قصُرتْ كلماتُهم، وعلى المثقفين حين طالتْ خطاباتُهم، وعلى العلماءِ حين غابتْ عنهم البصائر؛ اعلموا أن غزةَ لم تنتظرْهم، ولم تتعلّقْ بموائدِهم، ولم تربطْ مصيرَها بصكوكِ رضاهم، بل نظرتْ إلى الله، وسارتْ إليه، ففتحَ لها من أبوابِ التمكينِ ما يُذهلُ العقول.
وما هذه البطولاتُ المُتتابعةُ إلا برهانٌ قائمٌ على أن القدرةَ ليست في الإمكانيات، بل في الإرادات، وأن سلاحَ المؤمنين ليس في المخازنِ بل في الصدور.
وها هو العدوُّ، بكلِّ ما أُوتي من عُدّةٍ وعَددٍ ودُعمٍ دوليٍّ وإعلامٍ عالميٍّ وجبهاتٍ مفتوحة، يئنُّ من عبوةٍ في ناقلة، ويرتعدُ من شبحِ مقاتلٍ في الزقاق، ويطلبُ الهدنةَ من طفلٍ لم يبلغِ الحلمَ بعد.
فيا أيها الشابُّ الضجِر، ويا من أظلمتْ في عينيك الرؤى، واشتدّ سوادُك على الدنيا، انظر إلى شرقِ خان يونس، فإنّ فيه مشهدًا ليس يُنسى. ليس هو رجعُ ماضٍ، بل إرهاصُ بعثٍ، وإشراقُ فجرٍ، ودعوةٌ لك بأن تنهض.
ما مات الأمل، لكنه خَرسَ في ضجيجِ الجُبناء. وما غابَ النور، بل غُطِّي بأثوابِ السخطِ واليأس.
فانزع عنك لباسَ الخيبة، وانهضْ كما نهضَ الفتى في غبشِ الفجرِ لا يخشاه إلا أن يُقصّر. لا تطلبْ براهينَ من التاريخِ وأنتَ ترى براهينَها تُبثُّ على الهواءِ مباشرة، وتُدوَّنُ في دمِ الأبطال. إنّ من لم يُقنعه هذا المشهدُ، فبمَ يُقنَع ؟! ومن لم يُبصرْ يدَ اللهِ في غزة، فقد عميتْ عيناه عن نورِ البصيرة.
واللهُ غالبٌ على أمره، ولكنّ أكثرَ الناسِ لا يعلمون.