لا تندرج آلية التجويع في غزة ضمن بند الإهمال أو نتائج الحصار الجانبي، بل هي جريمة متعمَّدة مُهيكلة محسوبة، تُدار بمنطق الجبهة الحربية لا المساعدات الإنسانية.
نحن أمام قرارٍ سياسي بخلخلة الأمعاء لا بملء الصحون، وبقتل الناس وهم يبحثون عن حفنة طحين. هذا التجويع ليس عارضًا؛ بل سلاح له ميزانية وتنسيق وشركاء.
إن إنكار المجاعة ليس سقطة في الفهم ولا قلة اطلاع، بل مشاركة صريحة في خطة الإبادة، وتبييض متعمَّد لجريمة العصر. وحين تكون جثة الطفل الغزِّي أطول من قامته حيًا بفعل الجوع، فمن السخف أن يُقال إنها شائعة.
ومن يظن أن الدم إذا جفّ، نُسيت الخطيئة، لم يقرأ سورة المجازر في غزة. ومن حسب أن الأشلاء إذا بُلّطت فوقها الطرقات، انطوت صفحات القتل، فقد أعماه دخان الباطل عن وهج الحقيقة.
غزة ليست رقعةً على خريطة النزاع، بل صراطُ الأمة حين تضلّ، ومحرابُها حين تتذكّر، والجوع فيها ليس مِحنة فحسب، بل أداةُ فحص، به تُوزن المروءات، ويُكشف زيف الخطابات. وحين يحاول الطغاة تلميع وجوههم التي لوّثها الخراب، أو رشّ الماء على رماد الجريمة، يفضحهم رمادُ العظام التي طُمرت بلا كفن، ويصرخ فيهم غبارُ البيوت التي لم تجد سقفًا إلا السماء.
فليُغلقوا الكاميرات
وليرتّبوا الكلمات
وليصنعوا من الجريمة بيانًا دبلوماسيًّا بارعَ التنميق. لكن غزة لا تُخدع، ولا تنام على الألم، والمجاعات التي تنخر الأمعاء اليوم، تُنبت غدًا أجيالًا تقاتل على الطوى، وتحفظ الكرامة في زمن الكروش المتخمة.
غزة، المقاومة، خان يونس، تجويع غزة