الأنوار تتلألأ في الليالي الصاخبة، والموسيقى تُنسج كستار ناعم فوق الوجع الغائب، والوجوه منشرحة كأنها وُعدت ألا ترى غير الفرح.
لا أحد يسأل كثيرًا، ولا أحد يُحب أن يُذكّر بشيء، فالمزاج العام دقيق، لا يحتمل النشاز، والابتسامات المرتبة تحتاج صمتًا تامًا كي تُزهر. لكن ثمة من يسأل رغم الضجيج :
من يُشعل هذه الحفلات فعلًا ؟ من يرسم جدول الفرح العام ؟
من يقرّر أن هذا الموسم للغناء، وأن تلك الليلة لا يليق فيها الحديث عن المجازر ؟
من يُغلق نوافذ الوعي ليفتح أبواب الرقص ؟
من يوجّه الكاميرا إلى المسرح بينما تختنق مدينة كاملة تحت التجويع ؟
ليس كل من يرقص يعلم، وليس كل من يضحك شريكًا في الجريمة. كثير منهم أبناء هذه الأمة، نشأوا في دوامة ترفٍ مصنوعة، نُزعت منها القضايا، وزُرعت فيها المسابقات، وعلّمتهم الشاشات أن الحياة حفلة طويلة ما داموا بعيدين عن وجع الآخرين.
لكن الوجع ليس بعيدًا. القذائف تسقط على إخوة لهم، الأطفال يُجَوّعون حتى الموت، البيوت تُنسف بمن فيها، والعدو هو العدو، لم يتغيّر. الذي يقتل هناك، هو الذي يُموّل هنا، وهو الذي يصنع للعقول هذا المسار البعيد عن الجرح. المعركة ليست فقط على الجبهات، بل في الأذهان، في ما يُعرض، في ما يُغنّى، في ما يُضحك، في ما يُزيَّن.
من يدكّ غزة، هو من يُريدك أن تُصفق حين تقصف، وأن تضحك كي لا تسمع. يوجّه الطائرة والصاروخ من جهة، ويوجّه ذائقتك من جهة أخرى. يصنع لك وهمًا ناعمًا اسمه الترفيه، ويفتح لك نوافذ الهروب تحت عنوان الحرية. يُقنعك أن انشغالك بنفسك لا يؤذي أحدًا، بينما هو في الحقيقة خط الدفاع الأول عن مشروعه، لأن وعيك إن انتبه، سقط كل شيء.
وحين يُعاد تدوير مشهد الانتخابات داخل هذه المنظومة، فليس الهدف أن تختار، بل أن تنشغل. لا فرق كبير بين حفلة غنائية وبرلمان مزيف، كلاهما يُقام في الموعد المحدد، ويُنقل بالبث المباشر، ويُروّج له بوصفه الحدث الكبير، ثم لا يتغير شيء. المطلوب أن تبقى حاضرًا، لا واعيًا، أن تصفق، لا أن تسأل، أن تحضر شكليًا، لا أن تقترب فعليًا.
ليست القضية أن تُدين الحفلات، ولا أن تكره المسرح، ولا أن تتقمص دور الواعظ الغاضب. القضية أن تستفيق، أن ترى الصورة الأوسع، أن تعرف أين تُقاد، ولماذا. أن تدرك أن غزة التي تُقصف الآن ليست بعيدة، وأنك إن سهوت عنها، ستُقصف روحك بطريقة أخرى، عبر هذا الغناء الناعم، والإلهاء المدروس، والواقع المصنوع لك خصيصًا كي لا تفكر.
الوعي ليس ترفًا. إنه الآن خط المقاومة الأول. أن تعرف من عدوك، أن تُميّز بين الفرح الحر والفرح المصنوع، أن تُدرك متى تُصفق ومتى تحتجّ، أن لا تبيع إحساسك للمنتج الإعلامي، أن لا تكون ورقة في يد من يصوغ وعيك كما يريد.
ما يُطلب منك ليس أن تخرج من الحياة، بل أن تعود إليها. أن تنخرط في أمتك، أن تجعل صوتك جزءًا من صوتها، أن تختار أن تكون هناك ولو بكلمة، ولو بموقف، ولو بامتناع صامت عن أن تكون جزءًا من خدعة كبرى تُدار على مرأى العالم.
غزة لا تكره الفرح، لكنها تسأل عن الفرح الذي يُبنى فوق جراحها. لا تطلب منك أن تبكي، بل أن تفيق. أن تُدرك أن الحرب التي تُخاض هناك جزء من حرب أكبر تُخاض عليك. وأنك إن اخترت الوعي، فقد فتحت ثغرة في جدار الزيف.
غزة، التجويع، حفلات الساحل، المقاومة، سلاح المقاومة
ليس كل من يرقص يعلم، وليس كل من يضحك شريكًا في الجريمة. كثير منهم أبناء هذه الأمة، نشأوا في دوامة ترفٍ مصنوعة، نُزعت منها القضايا، وزُرعت فيها المسابقات، وعلّمتهم الشاشات أن الحياة حفلة طويلة ما داموا بعيدين عن وجع الآخرين.
لكن الوجع ليس بعيدًا. القذائف تسقط على إخوة لهم، الأطفال يُجَوّعون حتى الموت، البيوت تُنسف بمن فيها، والعدو هو العدو، لم يتغيّر. الذي يقتل هناك، هو الذي يُموّل هنا، وهو الذي يصنع للعقول هذا المسار البعيد عن الجرح. المعركة ليست فقط على الجبهات، بل في الأذهان، في ما يُعرض، في ما يُغنّى، في ما يُضحك، في ما يُزيَّن.
من يدكّ غزة، هو من يُريدك أن تُصفق حين تقصف، وأن تضحك كي لا تسمع. يوجّه الطائرة والصاروخ من جهة، ويوجّه ذائقتك من جهة أخرى. يصنع لك وهمًا ناعمًا اسمه الترفيه، ويفتح لك نوافذ الهروب تحت عنوان الحرية. يُقنعك أن انشغالك بنفسك لا يؤذي أحدًا، بينما هو في الحقيقة خط الدفاع الأول عن مشروعه، لأن وعيك إن انتبه، سقط كل شيء.
وحين يُعاد تدوير مشهد الانتخابات داخل هذه المنظومة، فليس الهدف أن تختار، بل أن تنشغل. لا فرق كبير بين حفلة غنائية وبرلمان مزيف، كلاهما يُقام في الموعد المحدد، ويُنقل بالبث المباشر، ويُروّج له بوصفه الحدث الكبير، ثم لا يتغير شيء. المطلوب أن تبقى حاضرًا، لا واعيًا، أن تصفق، لا أن تسأل، أن تحضر شكليًا، لا أن تقترب فعليًا.
ليست القضية أن تُدين الحفلات، ولا أن تكره المسرح، ولا أن تتقمص دور الواعظ الغاضب. القضية أن تستفيق، أن ترى الصورة الأوسع، أن تعرف أين تُقاد، ولماذا. أن تدرك أن غزة التي تُقصف الآن ليست بعيدة، وأنك إن سهوت عنها، ستُقصف روحك بطريقة أخرى، عبر هذا الغناء الناعم، والإلهاء المدروس، والواقع المصنوع لك خصيصًا كي لا تفكر.
الوعي ليس ترفًا. إنه الآن خط المقاومة الأول. أن تعرف من عدوك، أن تُميّز بين الفرح الحر والفرح المصنوع، أن تُدرك متى تُصفق ومتى تحتجّ، أن لا تبيع إحساسك للمنتج الإعلامي، أن لا تكون ورقة في يد من يصوغ وعيك كما يريد.
ما يُطلب منك ليس أن تخرج من الحياة، بل أن تعود إليها. أن تنخرط في أمتك، أن تجعل صوتك جزءًا من صوتها، أن تختار أن تكون هناك ولو بكلمة، ولو بموقف، ولو بامتناع صامت عن أن تكون جزءًا من خدعة كبرى تُدار على مرأى العالم.
غزة لا تكره الفرح، لكنها تسأل عن الفرح الذي يُبنى فوق جراحها. لا تطلب منك أن تبكي، بل أن تفيق. أن تُدرك أن الحرب التي تُخاض هناك جزء من حرب أكبر تُخاض عليك. وأنك إن اخترت الوعي، فقد فتحت ثغرة في جدار الزيف.
غزة، التجويع، حفلات الساحل، المقاومة، سلاح المقاومة