أتقصيهم مواقفهم، أم تفزعكم مراياهم ؟!

                      


الموقف إذا لم يُقصِك فليس بموقف. الكلمة إن لم تُرعب المنصة فليست من نور. الساكتون يُصعَّدون إلى قمم مصنوعة، والمجاهرون يُنزَّلون من علياء القيم إلى ظلمات الإقصاء، لا لشيء، إلا لأنهم تجرأوا على تسمية الدم دمًا، والمظلومية مظلومية، والعدو عدوًا.

لا يُراد من اللاعب أن يصدق، بل أن يطيع. لا يُطلب منه أن يكون ضميرًا، بل لافتةً محايدة، لا لون لها ولا رائحة. تسجّل هدفًا ؟ 
حيّ من شئت. 
لكن إيّاك أن تلوّح بإشارة تُذكّر بالأقصى، أو تهمس بدعاء لغزة. 

الكرة هنا تُنقى من القضية، كما يُنقّى الحليب من شوائب الطبيعة؛ مادة للاستهلاك، لا ساحة للموقف. 

ولأنهم قالوا ما لا ينبغي لنجوميةٍ مدفوعة الثمن أن تسمعه، جُرّدوا من التقدير، وأُقصوا بغير بيان. 

حسين الشحات دعا دعاءً، فصار يُعامل وكأنه تفوّه بكفر. أكرم توفيق واسى غزة، فغاب اسمه عن قوائم المجد، لا لقصورٍ في مهارته، بل لفائض في ضميره.

إنه الفرز غير المعلن؛ لا تُعلن موقفًا، تُمنح مساحة. لا تُحدّق في الجرح، تُفتح لك الشاشات. 

فلسطين ليست قضيتك كلاعب، بل عبءٌ على مسيرتك الاحترافية. لا تشوّه سيرة الإعلانات بصورة شهيد، ولا تعكّر بهجة الاستوديو بشيء من أخبار الركام. وهكذا يتحول الصمت إلى عملة، والموقف إلى تهمة. حتى إذا ما تكلم المتكلمون، وصدعوا بما يعتقدون، خرجوا من منظومة الامتيازات، ودخلوا سجلّ المحذوفات. 

فليُحذفوا إذًا، ما داموا أثبتوا أن الإنسان أكبر من اللافتة، وأن الضمير لا يُختزل في تعاقد.

المجاهرة بالحقّ مكلفة، لكنها وحدها التي تستحق. الصمت مُربح، لكنه فارغ، هشّ، لا يُبقي صاحبه في الذاكرة إلا كظلّ لرغبة أحدهم في تلميعه.

 أما الذين تكلّموا، فربما خسروا القائمة، لكنهم كسبوا الخلود. فلتُقصِهم القوائم، ما دامت الكلمة التي قيلت لا تزال تضيء في القلب. وليُستبعَدوا من الملاعب، إذا كان الميدان قد ضاق عن استيعاب شهقةٍ تُرفع فيها كفّ نحو السماء من أجل غزة.
الذين قالوا :  
اللهم انصرهم
لم يسقطوا.
والذين صمتوا
لم يرتفعوا. 

كلّ شيءٍ يُقاس بمكيال الحق، لا بمساحات الظهور.

غزة، خان يونس، شمال غزة، الشجاعية، جباليا، تجويع غزة