منهج بن الهيثم في قلب الميدان

                                                        

منهج بن الهيثم في قلب الميدان


الخلل لا يكمن في ندرة الأدوات، بل في اعوجاج الفكر، واضطراب المنهج، وغياب البصيرة. هذا ما أدركه ابن الهيثم وهو يضع قواعد النظر العلمي، حينما شدّد على أن جوهر الحقيقة لا يُنال بتكديس الوسائل، وإنما بتسديد العقل إلى سواء الطريق.

وهذا المعنى ذاته يتجسّد اليوم في غزة. عدوّ مدجّج بترسانة الحديد والنار يظن أن وفرة الأدوات ضمان للهيمنة، وأن تكديس التقنية صكّ غلبة لا ينازع. غير أن المقاوم القسَّـ..ـامي، الملتفّ ببطانية رمادية، يثبت أن سرّ القوة في صفاء الفكرة، ونقاء العقيدة، وابتكار المنهج.

بطانية تتحوّل في يده إلى ستر استراتيجي، وبندقية متواضعة تصير برهانًا على عجز أساطيل الطائرات والمدرعات عن إخماد شعلة العزم.

المعضلة التي يواجهها المشروع الصهيوني ليست في ندرة ما يملك من أدوات، بل في عقله المستكبر الذي يتوهّم أن الجوع يُميت الإرادة، وأن القصف يُخرس الوعي، وأن استباحة الأرض تُنهي معنى الانتماء.

إنما تنهار قوته حين يواجه عقلًا مقاوِمًا يعرف كيف يحوّل الحاجة إلى فضيلة، والحصار إلى دافع، وشظف العيش إلى رصيد من صلابة لا تُقهر.

ابن الهيثم وضع المنهج الذي قاد العقل الإنساني إلى اكتشاف القوانين، والمجاهد القسَّـ..ــامي يرسي المنهج الذي يعيد تعريف معادلة القوة. الأول أثبت أن النظر السليم أصل الحضارة، والثاني يبرهن أن التفكير الراشد أصل المقاومة. بينهما يمتد خيط واحد؛ من يملك العقل المنهجي، يملك زمام المبادرة، ولو خسر في ميدان الأدوات.

الأسطورة التي صاغها المشروع الصهيوني عن تفوّقه المطلق تتهاوى تحت أقدام مجاهد يخرج من بين الركام، يبتكر طريقه بوعي نافذ، ويعرّي زيف القوة الغاشمة.

هنا ينهار الوهم، ويثبت أن الغلبة ليست لمن يحصي ما يملك من أدوات، بل لمن يحسن توجيه عقله وقلبه نحو غاية عادلة لا تُشترى ولا تُقايض.

غزة، خان يونس، المقاومة، جباليا، الشجاعية، التجويع، شمال غزة، أنس الشريف